Download App Fahad Al-Salem Center application on your IOS device Download Fahed al Salem Center application on your Android device
محاكمة صحفي سويدي بتهمة تهريب البشر "طفل الحافة".. سيلفي تعاملت معه وزارة العمل السعودية 2.4 مليار شخص بلا "مراحيض" الامم المتحدة تعرب عن قلقها الشديد بشأن قانون تركي يسقط تهمة الاعتداء على قاصر عند الزواج
أبرز الأحداث

تقارير اخبارية

الأكثر قراءة
ألا من ينهي غربة الصومال؟!

نسمع كثيرا ً باسم الصومال، ربما لوقع الإسم أثر في النفوس، وربما تنهال معه الكثير من الصور التي رسمها الفكر كقرين لهذه الكلمة، قد يعني لنا اسم الصومال صورة إنسان نحيف هزيل ملتصق جلده بالعظم، كما يقول المثل العامي، نضرب به المثل، أو لعلنا نذهب بالقساوة أبعد من ذلك، لنطلق على كل هزيل الجسد لقب "صومالي"، دون أن نمعن النظر لمعرفة أبعاد ردة الفعل العفوية هذه.

فقد اقترن إسم الصومال منذ أمد ليس بقليل، بالفقر والمجاعة، حتى عندما نسمع بالملايين الجياع من أبناءه، الذين يقضي كثيرون منهم لعدم حصولهم على ما يسد الرمق و "يشحنهم" للعيش يوما ً آخر، لا نرف الجفن، حتى لكأن هذا الواقع أمر طبيعي وحقيقة علمية لا مجال معها للنقاش، ولا سبيل معها لحد، ولكننا نتغاضى عن أبسط دليل يجعل من هذه "الحقيقة" عارا ً على البشرية جمعاء، هو الحق بالحياة الذي يحرم منه الملايين من أبناء الصومال "العربي" كما الملايين من الأفارقة، لمجرد أن خيرات الأرض، والرزق الذي كان على الله "لكل دابة في الأرض" لم يعد كافيا ً لإطعامهم.

يكاد الذهن ينسى، أن شعب الصومال مسلم ينطق بالعربية، وأن الصومال، بما هو متوفر فيها من مقومات حياة الدول، عضو في جامعة الدول العربية منذ عام 1972.

أفلا يفرض علينا الواجب الإنساني حدا ً أدنى من التعاطف مع هذا الشعب الذي يعاني الجوع في حين ينعم الآخرون بالتخمة في نواحي أخرى، قريبة، في هذا العالم؟ وقبل التعاطف لا بد من البحث في الأسباب والعوامل والظروف، التي مهدت لتجويع هذه البقعة بالذات، من بين كل بقاع الأرض. فما هي الأسباب وراء هذه الحالة المزرية التي وصلت إليها ما كانت تعرف بجمهورية الصومال الديمقراطية، رغم موقعها الجغرافي الإستراتيجي المهم على الطرق الشمالية المؤدية إلى باب المندب، البحر الأحمر، قناة السويس.

هذه الدولة العربية (637.657 كيلومترا مربعا) التي تقع شمال شرق أفريقيا فيما يُعرَف بالقرن الأفريقي، يحدها من الشمال خليج عدن، ومن الشرق والجنوب المحيط الهندي، ومن الجنوب الغربي كينيا ومن الغرب إثيوبيا ومن الشمال الغربي جيبوتي.

ويمتلك الصومال أطول السواحل على مستوى القارة الأفريقية، حيث يبلغ إجمالي طول سواحله أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر وتمتد حدوده المائية الإقليمية مسافة مائتي ميلٍ بحري.

إضافة إلى أن بعض الدراسات أثبتت وجود اليورانيوم، واحتياطي غير مستغل من خام الحديد، والقصدير، والجبس، والبوكسايت، والنحاس، والملح، لكن لا يُستغل تجاريّاً إلاّ القصدير.

مشكلة المناخ


ولكن لماذا الجفاف يضرب أوصال الصومال ومجاعته تتكرر؟ هنا تبرز مشكلة مناخ البلاد الصحراوي والذي يتنوع من مداري إلى شبه مداري ومناخ استوائي جاف في بعض الأحيان ومناخ شبه استوائي شبه جاف.

يكون متوسط درجات الحرارة غالبا 28 درجة مئوية إلا أنه في بعض الأحيان تصل درجات الحرارة إلى الصفر في المناطق الجبلية، وترتفع لتصل إلى 47 درجة مئوية على الساحل.

كما يتسبب هبوب الرياح الموسمية في فصل جاف خلال الفترة من سبتمبر/ أيلول إلى ديسمبر/ كانون الأول، وفصل ممطر من مارس/ آذار إلى مايو/ أيار.

هذا المناخ "القاتل" قلص نسبة الأراضي الصالحة للزراعة إلى نحو 2% من مساحة بلد يبلغ عدد سكانه زهاء عشرة ملايين، ناهيك عن تعرضها لمواسم متكررة من الجفاف.

فضلا عن هبوب العواصف الترابية على السهول الشرقية، في الصيف، إضافة إلى الفيضانات في الموسم المطير، كما تعاني مشاكل صحية ناجمة عن استخدام المياه الملوثة وإزالة الغابات، وتجريف التربة وتآكلها، إضافة إلى التصحر.

زد على ذلك تفاقم الأزمة الغذائية جراء موجة الجفاف الاستثنائية التي تضرب منطقة القرن الأفريقي.

ويجمع المراقبون الناشطون في المنظمات غير الحكومية وتقارير أممية على أن منطقة جنوب الصومال هي التي تعاني أكثر من سواها من تركيبة مهلكة من الجفاف، وما يترتب عن ذلك من سقوط كل مناطق الجنوب في براثن المجاعة الشاملة.

وتعتبر مناطق جنوبي الصومال، مناطق كارثية بامتياز، حيث تراجعت المحاصيل الزراعية إلى نسبة متدنية جداً، والتي قادت إلى موجة من زيادة أسعار المواد الغذائية بنحو 270% للقمح والذرة الصفراء.

تاريخ المجاعات


ويتذكر التاريخ أن مجاعة ضربت الصومال عام 1974، ورغم تواضع الإمكانيات لدى الحكومة العسكرية حينها، إلا أنها استطاعت السيطرة على الأزمة، بعدما تمكنت من إجلاء مئات الآلاف من المناطق التي ضربها القحط إلى المناطق الجنوبية وأغاثتهم، لكن اليوم الحكومة ضعيفة جدا إلى حد أنها لا تستطيع توزيع المواد الإغاثية على المحتاجين.

كما مر الصومال والقرن الأفريقي بمجاعة سببها قلة الأمطار فى ثمانينيات القرن الماضي.

فالمجاعة في الصومال ليست بسبب الجفاف وحده، بل هي نتيجة لمسار طويل من التدهور، يجمع بين الهجمات العدوانية المتكررة للطبيعة "الجفاف والكوارث الطبيعية" والعادات الاجتماعية والصراعات الأهلية المستمرة مند عشرات السنين.

ضحايا المجاعة في الصومال

يعاني أكثر من مليون شخص في الصومال في الوقت الحالي من انعدام الأمن الغذائي وذلك بحسب التقرير الذي صدر في شهر مايو عن "شبكة نُظم الإنذار المبكر بالمجاعة". ويمثل هذا العدد انخفاضاً ملحوظاً عن مثيله في منتصف عام 2011 حيث بلغ عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي وقتئذ 3.7 مليون نسمة.

يُعزى هذا التحسن إلى الأمطار الحالية التي تعرف باسم أمطار الربيع أو"غو" ، التي استمرت من شهر مارس إلى يونيو، وأمطار "دير" التي استمرت من شهر أكتوبر حتى نوفمبر من عام 2012. ويُذكر أن موجات الجفاف المتعاقبة وضعف هطول الأمطار قد تسببوا في المجاعة التي ضربت الصومال في عام 2011.

وقد أودت تلك المجاعة بحياة أكثر من 258,000 شخص، ما يعني أن أعداد الوفيات أكثر من المعتاد، وفقاً لدراسة صدرت في 2 مايو عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) ووحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية وشبكة نُظم الإنذار المبكر بالمجاعة.

وقد وقعت معظم هذه الوفيات في مناطق بنادر وباي وشبيلي السفلى، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 4.6 بالمائة من إجمالي عدد سكانها قد لقوا حتفهم. وتشير الدراسة إلى أنه في منطقة شبيلي السفلى، سجلت حالات وفيات بمعدل لا يقل عن 9 بالمائة بين السكان من كافة الفئات العمرية، ووصلت تلك النسبة إلى 17.6 بالمائة بين الأطفال ممن هم دون سن الخامسة في الفترة ما بين أكتوبر 2010 إلى أبريل 2012.

وذكرت الدراسة أن "هناك إجماعاً على أن الاستجابة الإنسانية للمجاعة جاءت إلى حد كبير متأخرة وغير كافية، وأن المعوق الرئيسي كان محدودية سبل الوصول إلى معظم القطاعات السكانية المتأثرة، الناجمة عن انعدام الأمن على نطاق واسع وقيود التشغيل المفروضة على العديد من وكالات الإغاثة".

عدم كفاية المساعدات

فالمساعدات التي تقدمها المنظمات والدول الغربية لم تلائم احتياجات الصوماليين، خصوصًا في بدء الأزمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ الرعاة الصوماليون، الذين يتفوقون في إنتاجهم من الماشية على نظرائهم في مناطق عديدة من العالم، لم يكونوا ينتظرون كالمزارعين هطول الأمطار، بل ينتقلون إلى مراع هطلت فيها الأمطار، ويوفرون بذلك العلف والموارد المائية لماشيتهم، ومع أن الرعاة كانوا يضطرون في مواسم القحط إلى بيع ماشيتهم مقابل الحبوب؛ فإنهم كانوا يحتفظون دائمًا بجزء منها لإعادة توليد القطيع، عندما تتحسن الظروف.

وقبيل تصاعد الأزمة الغذائية الراهنة، لم يكن الرعاة بحاجة إلى معونات غذائية قدر حاجتهم إلى مضخات، وحفارات آبار مائية، وأمصال لتلقيح المواشي، ودعم جهودهم في بناء وسائل نقل، ومستودعات لتخزين الأعلاف، خصوصًا أن موجات الجفاف التي كانت تقع مرة كل سبع سنوات في سبعينيات القرن الماضي صارت تحدث مرة كل خمس سنوات في الثمانينيات، وأصبحت مزمنة منذ عام 2000م.

يُضاف إلى هذا أن الدول الغربية أسهمت في إحكام الخناق على الصوماليين، وذلك من خلال شروط التجارة غير المنصفة، والقيود المفروضة على تحويلات الصوماليين العاملين في الخارج، والتي كانت شريان حياة للصوماليين، بعد انهيار مؤسسات الدولة، بما فيها المصارف في تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت هذه التحويلات تبلغ نحو40 مليون دولار سنويًّا، قبل أن تقل جدًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م، بزعم ضلوع المؤسسات التي تقوم بالتحويل في العمليات الإرهابية، الأمر الذي ترك تأثيرًا بالغ الخطورة في حياة الصوماليين، خصوصًا أن هذه التحويلات كانت تقدم ما يعادل عدة أضعاف الفرص التي تقدمها وكالات العون الدولية لإعادة بناء الصومال.

لذلك فإن محاولة المنظمات الدولية اختزال مشكلة الصومال في المساعدات الطارئة - على أهميتها - يشكِّل خطأ فادحًا بحد ذاته ساهم في زيادة الأزمة وتعقيدها، إذ البلد ليس بحاجة إلى رمي أكياس من المواد الغذائية للمتضورين من الجوع فحسب، بل يحتاج إلى مقاربة شاملة للأزمة الصومالية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية، لمعالجة جذورها ووضع حدٍّ لحالة الفوضى.

ماذا عن الأفق

يرى لا تزال غالبية سكان الريف الفقراء والنازحين في الصومال في حالة هشة للغاية، وقدرتهم على الصمود باتت ضعيفة بفعل التعرض المتكرر للصدمات. وفي ظل مثل هذه الظروف، لا يمكن استبعاد خطر وقوع مجاعات في المستقبل إلا إذا تم تقديم مساعدات إنسانية متواصلة على المدى القصير ومساعدات تنموية على المدى الطويل... (وحتى لو تم ذلك) فإن الظروف التي أدت إلى المجاعة غير قائمة في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن انعدام الأمن لا يزال يشكل تحدياً أمام إيصال المساعدات الإنسانية، إلا أن أسعار المواد الغذائية قد انخفضت إلى حد كبير وأصبح التبادل التجاري والقوة الشرائية للسكان أكثر استقراراً. لقد هطلت أمطار دير عام 2012 بغزارة وتهطل أمطار الموسم الحالي (غو) بشكل طبيعي ومن المتوقع أن يكون نتاج موسم الحصاد ما بين المتوسط إلى فوق المتوسط، وأن تتوفر مراعي وكميات مياه جيدة لتربية الماشية.

حرب الصومال وغياب الدور العربي

 من خلال ما سبق يتضح أن الأزمة الصومالية رغم بساطة حلولها وبساطة تكاليف هذه الحلول لا تحظى بأي إهتمام عربي وإسلامي على الإطلاق وهو ما يظهر جليا لمراقب الأحداث وتطوراتها على الساحة الصومالية، بل المحزن في الأمر أن الصوماليين أنفسهم لا يعيرون أي إعتبار لهذه الأزمة.

فتطورات الأزمة التي وصلت إلى مرحلة الإقتتال الداخلي بين فرقاء الساحة الإسلاميين وهذا المحزن بالذات، يجعلنا نجزم أن الصوماليين في المقام الأول من يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في الصومال هذا عدا عن بساطة وسطحية الرؤية السياسية لدى هؤلاء الفرقاء من الإسلاميين الذين تحولوا في غياب الدعم العربي إلى مجرد بيادق في يد مخابرات القوى الدولية والإقليمية.

صحيح أن ما يحدث بين الصوماليين من إقتتال لا شك أنهم مسؤلون عنه في الدرجة الأولى إلا أن هذا لا يعفى ايضا الأنظمة العربية من تحمل مسؤلياتها الوطنية والدينية والسياسية تجاه هذه القضية.

فالغياب التام للسياسة العربية في قضايا المنطقة الإستراتيجية ساعد كثيرا القوى الأقليمية المعادية من تصدير أجنداتها إلى هذه المنطقة وسهل له المهمة كثيرا و جعلها لقمة سهلة في فم القوى الإقليمية والدولية المعادية.فما لم يتم تدارك القضية الصومالية فإن مزيدا من تداعيات القضية ستطال المنطقة بأسرها وستنتقل العدوى السريعة في كل إتجاه مهددة بكارثة لا أحد يستطيع التنبأ بحجمها ومترتباتها على المنطقة برمتها.

 

 

 

10-2-2015
آخر الأخبار

مقالات

أهم المواضيع